فصل: تفسير الآية رقم (51)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِوَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّامْرَأَةَ الْعَزِيزِقَدْ عَاوَدَتْ يُوسُفَ فِي الْمُرَاوَدَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَتَوَعَّدَتْهُ بِالسَّجْنِ وَالْحَبْسِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَاخْتَارَ السَّجْنَ عَلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ عَاوَدَتْهُ وَتَوَعَّدَتْهُ بِذَلِكَ، كَانَ مُحَالًا أَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ‏}‏، وَهُوَ لَا يُدْعَى إِلَى شَيْءٍ، وَلَا يُخَوَّفُ بِحَبْسٍ‏.‏

و “ السِّجْنُ “ هُوَ الْحَبْسُ نَفْسُهُ، وَهُوَ بَيْتُ الْحَبْسِ‏.‏

وَبِكَسْرِ السِّينِ قَرَأَهُ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ كُلُّهَا‏.‏ وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْأَمَاكِنَ الْمُشْتَقَّةَ مِنَ الْأَفْعَالِ مَوَاضِعَ الْأَفْعَالِ‏.‏ فَتَقُولُ‏:‏ “ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَطْلَعًا، وَغَرَبَتْ مَغْرِبًا “، فَيَجْعَلُونَهَا، وَهِيَ أَسْمَاءٌ، خَلَفًا مِنَ الْمَصَادِرِ، فَكَذَلِكَ “ السِّجْنُ “، فَإِذَا فَتَحْتَ السِّينَ مِنَ “ السَّجْنِ “ كَانَ مَصْدَرًا صَحِيحًا‏.‏

وَقَدّ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يَقْرَأُهُ‏:‏ “ السَّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ “، بِفَتْحِ السِّينِ‏.‏ وَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَى خِلَافِهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ‏:‏ يَا رَبِّ، الْحَبْسُ فِي السِّجْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَيُرَاوِدْنَنِي عَلَيْهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ‏}‏‏:‏ مِنَ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ، وَأَضَافَ إِلَى رَبِّهِ، وَاسْتَغَاثَهُ عَلَى مَا نَـزَلَ بِهِ ‏{‏رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ‏}‏، أَيِ‏:‏ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آتِيَ مَا تَكْرَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْ عَنِّي، يَا رَبِّ، فِعْلَهُنَّ الَّذِي يَفْعَلْنَ بِي، فِي مُرَاوَدَتِهِنَّ إِيَّايَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ “ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ “، يَقُولُ‏:‏ أَمِلْ إِلَيْهِنَّ، وَأُتَابِعْهُنَّ عَلَى مَا يُرِدْنَ مِنِّي وَيَهْوَيْنَ‏.‏

مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ صَبَا فُلَانٌ إِلَى كَذَا “، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

إِلَـى هِنْـدٍ صَبَـا قَلْبِـي *** وَهِنْـدٌ مِثْلُهَـا يُصْبِـي

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَصْبُ إِلَيْهِنَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أُتَابِعُهُنَّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ‏}‏، أَيْ‏:‏ مَا أَتَخَوَّفُ مِنْهُنَّ ‏{‏أَصْبُ إِلَيْهِنَّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِلَّا يَكُنْ مِنْكَ أَنْتَ الْعَوْنُ وَالْمَنَعَةُ، لَا يَكُنْ مِنِّي وَلَا عِنْدِي‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَكُنْ بِصَبْوَتَيْ إِلَيْهِنَّ، مِنَ الَّذِينَ جَهِلُوا حَقَّكَ، وَخَالَفُوا أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، أَيْ‏:‏ جَاهِلًا إِذَا رَكِبْتُ مَعْصِيَتَكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ إِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ‏}‏، وَلَا مَسْأَلَةَ تَقَدَّمَتْ مِنْ يُوسُفَ لِرَبِّهِ، وَلَا دَعَا بِصَرْفِ كَيَدِهِنَّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ رَبَّهُ أَنَّ السِّجْنَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ فِي إِخْبَارِهِ بِذَلِكَ شِكَايَةً مِنْهُ إِلَى رَبِّهِ مِمَّا لَقِيَ مِنْهُنَّ، وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ‏}‏، مَعْنَى دُعَاءٍ وَمَسْأَلَةٍ مِنْهُ رَبَّهُ صَرْفَ كَيَدِهِنَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ‏}‏، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ‏:‏ “ إِنْ لَا تَزُرْنِي أَهِنْكَ “، فَيُجِيبُهُ الْآخَرُ‏:‏ “ إِذَنْ أَزُورُكَ “، لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ إِنَّ لَا تَزُرْنِي أَهِنْكَ “، مَعْنَى الْأَمْرِ بِالزِّيَارَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِيُوسُفَ دُعَاءَهُ، فَصَرَفَ عَنْهُ مَا أَرَادَتْ مِنْهُامْرَأَةُ الْعَزِيزِوَصَوَاحِبَاتُهَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏، أَيْ‏:‏ نَجَّاهُ مِنْ أَنْ يَرْكَبَ الْمَعْصِيَةَ فِيهِنَّ، وَقَدْ نَـزَلَ بِهِ بَعْضُ مَا حَذَرَ مِنْهُنَّ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏}‏، دُعَاءَ يُوسُفَ حِينَ دَعَاهُ بِصَرْفِ كَيْدِ النِّسْوَةِ عَنْهُ، وَدُعَاءَ كُلِّ دَاعٍ مِنْ خَلْقِهِ ‏(‏الْعَلِيمُ‏)‏، بِمَطْلَبِهِ وَحَاجَتِهِ، وَمَا يُصْلِحُهُ، وَبِحَاجَةِ جَمِيعِ خَلْقِهِ وَمَا يُصْلِحُهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ بَدَا لِلْعَزِيزِ، زَوْجِ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَاوَدَتْ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ “ بَدَا لَهُمْ “،، وَهُوَ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكَرْ بِاسْمِهِ وَيُقْصَدْ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 173‏]‏، وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ قَائِلَ ذَلِكَ كَانَ وَاحِدًا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ‏}‏ فِي الرَّأْيِ الَّذِي كَانُوا رَأَوْهُ مِنْ تَرْكِ يُوسُفَ مُطْلَقًا، وَرَأَوْا أَنْ يَسْجِنُوهُ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ‏}‏ بِبَرَاءَتِهِ مِمَّا قَذَفَتْهُ بِهِامْرَأَةُ الْعَزِيزِ‏.‏

وَتِلْكَ “ الْآيَاتُ “، كَانَتْ قَدَّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ، وَخَمْشًا فِي الْوَجْهِ، وَقَطْعَ أَيْدِيهِنَّ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ مِنَ الْآيَاتِ‏:‏ قَدٌّ فِي الْقَمِيصِ، وَخَمْشٌ فِي الْوَجْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ ‏[‏نَصْرٍ‏]‏، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدُّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدُّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ

قَالَ‏:‏ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ الْآيَاتُ‏:‏ “ حَزُّهُنَّ أَيْدِيَهُنَّ، وَقَدُّ الْقَمِيصِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ قَدُّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ‏}‏، بِبَرَاءَتِهِ مِمَّا اتُّهِمَ بِهِ، مِنْ شَقِّ قَمِيصِهِ مِنْ دُبُرٍ ‏{‏لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ‏}‏، الْقَمِيصَ، وَقَطْعَ الْأَيْدِي‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَيَسْجُنُنَّهُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَرَوْنَ فِيهِ رَأْيَهُمْ‏.‏

وَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْحَبْسَ لِيُوسُفَ، فِيمَا ذُكِرَ، عُقُوبَةً لَهُ مِنْ هَمِّهِ بِالْمَرْأَةِ، وَكَفَّارَةً لِخَطِيئَتِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏، عَثَرَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَ عَثَرَاتٍ‏:‏ حِينَ هَمَّ بِهَا فَسُجِنَ‏.‏ وَحِينَ قَالَ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏.‏ وَقَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ‏}‏، فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ حَبْسِهِ فِي السِّجْنِ، كَانَ شَكْوَىامْرَأَةِ الْعَزِيزِإِلَى زَوْجِهَا أَمْرَهُ وَأَمْرَهَا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا‏:‏ إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ الْعِبْرَانِيَّ قَدْ فَضَحَنِي فِي النَّاسِ، يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنِّي رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَسْتُ أُطِيقُ أَنْ أَعْتَذِرَ بِعُذْرِي، فَإِمَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَخْرُجَ فَأَعْتَذِرَ، وَإِمَّا أَنْ تَحْبِسَهُ كَمَا حَبَسْتَنِي‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ هَذِهِ “ اللَّامِ “ فِي‏:‏ ‏(‏لَيَسْجُنُنَّهُ‏)‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ دَخَلَتْ هَهُنَا، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَقَعُ فِيهِ “ أَيَّ “، فَلَمَّا كَانَ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ يَدْخُلُ فِيهِ دَخَلَتْهُ النُّونُ، لِأَنَّ النُّونَ تَكُونُ فِي الِاسْتِفْهَامِ، تَقُولُ‏:‏ “ بَدَا لَهُمْ أَيُّهُمْ يَأْخُذُنَّ “، أَيْ‏:‏ اسْتَبَانَ لَهُمْ‏.‏

وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ‏:‏ هَذَا يَمِينٌ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ‏:‏ “ هَلْ تَقُومَنَّ “ بِيَمِينٍ، وَ“ لَتَقُومَنَّ “، لَا يَكُونُ إِلَّا يَمِينًا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ “ بَدَا لَهُمْ “، بِمَعْنَى‏:‏ “ الْقَوْلُ “، وَ“ الْقَوْلُ “ يَأْتِي بِكُلِّ الْكَلَامِ، بِالْقَسَمِ وَبِالِاسْتِفْهَامِ، فَلِذَلِكَ جَازَ‏:‏ “ بَدَا لَهُمْ قَامَ زَيْدٌ “، وَ“ بَدَا لَهُمْ لَيَقُومَنَّ “‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ “ الْحِينَ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيٌّ بِهِ سَبْعُ سِنِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ سَبْعُ سِنِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًاوَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَدَخَلَ مَعَ يُوسُفَ السِّجْنَ فَتَيَانِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَتْرُوكٍ قَدْ تُرِكَ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏}‏، فَسَجَنُوهُ وَأَدْخَلُوهُ السِّجْنَ وَدَخَلَ مَعَهُ فَتَيَانِ، فَاسْتُغْنِيَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ‏}‏، عَلَى إِدْخَالِهِمْ يُوسُفَ السِّجْنَ، مِنْ ذَكْرِهِ‏.‏

وَكَانَ الْفَتَيَانِ، فِيمَا ذُكِرَ، غُلَامَيْنِ مِنْ غِلْمَانِ مَلِكِ مِصْرَ الْأَكْبَرِ، أَحَدُهُمَا صَاحِبُ شَرَابِهِ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ طَعَامِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ فَطُرِحَ فِي السِّجْنِ يَعْنِي يُوسُفَ ‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ‏}‏، غُلَامَانِ كَانَا لِلْمَلِكِ الْأَكْبَرِ الرَّيَّانِ بْنِ الْوَلِيدِ، كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَرَابِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى بَعْضِ أَمْرِهِ، فِي سَخْطَةٍ سَخَطَهَا عَلَيْهِمَا، اسْمُ أَحَدِهِمَا “ مَجْلَثُ “ وَالْآخَرُ “ نَبُو “، وَ“ نَبُو “ الَّذِي كَانَ عَلَى الشَّرَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَّازًا لِلْمَلِكِ عَلَى طَعَامِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ سَاقِيهِ عَلَى شَرَابِهِ‏.‏

وَكَانَ سَبَبُ حَبْسِ الْمَلِكِ الْفَتَيَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ‏:‏ إِنْ الْمَلِكَ غَضِبَ عَلَى خَبَّازِهِ، بَلَغَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسُمَّهُ، فَحَبَسَهُ وَحَبَسَ صَاحِبَ شَرَابِهِ، ظَنَّ أَنَّهُ مَالَأَهُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ فَحَبَسَهُمَا جَمِيعًا؛ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏، ذُكِرَ أَنَّ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا أُدْخِلَ السِّجْنَ، قَالَ لِمَنْ فِيهِ مِنَ الْمُحَبَّسِينَ، وَسَأَلُوهُ عَنْ عَمَلِهِ‏:‏ إِنِّي أَعْبُرُ الرُّؤْيَا‏.‏ فَقَالَ أَحَدُ الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ أُدْخِلَا مَعَهُ السِّجْنَ لِصَاحِبِهِ‏:‏ تَعَالَ فَلْنُجَرِّبْهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ‏:‏ لَمَّا دَخَلَ يُوسُفُ السِّجْنَ قَالَ‏:‏ أَنَا أَعْبُرُ الْأَحْلَامَ‏.‏ فَقَالَ أَحَدُ الْفَتَيَيْنِ لِصَاحِبِهِ‏:‏ هَلُمَّ نُجَرِّبُ هَذَا الْعَبْدَ الْعِبْرَانِيَّ فَتَرَاءَيَا لَهُ‏!‏ فَسَأَلَاهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَا رَأَيَا شَيْئًا‏.‏ فَقَالَ الْخَبَّازُ‏:‏ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ‏؟‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏؟‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ مَا رَأَى صَاحِبَا يُوسُفَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَا عِلْمَهُ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ إِنَّمَا سَأَلَهُ الْفَتَيَانِ عَنْ رُؤْيَا كَانَا رَأَيَاهَا عَلَى صِحَّةٍ وَحَقِيقَةٍ، وَعَلَى تَصْدِيقٍ مِنْهُمَا لِيُوسُفَ لِعِلْمِهِ بِتَعْبِيرِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا رَأَى الْفَتَيَانِ يُوسُفَ، قَالَا وَاللَّهِ، يَا فَتَى لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حِينَ رَأَيْنَاكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ يُوسُفَ قَالَ لَهُمْ حِينَ قَالَا لَهُ ذَلِكَ‏:‏ أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَنْ لَا تُحِبَّانِي، فَوَاللَّهِ مَا أَحَبَّنِي أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ حُبِّهِ بَلَاءٌ، لَقَدْ أَحَبَّتْنِي عَمَّتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ مِنْ حُبِّهَا بَلَاءٌ، ثُمَّ لَقَدْ أَحَبَّنِي أَبِي فَدَخَلَ عَلَيَّ بِحُبِّهِ بَلَاءٌ، ثُمَّ لَقَدْ أَحَبَّتْنِي زَوْجَةُ صَاحِبِي هَذَا فَدَخَلَ عَلَيَّ بِحُبِّهَا إِيَّايَ بَلَاءٌ، فَلَا تُحِبَّانِي بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأَبَيَا إِلَّا حُبَّهُ وَإِلْفَهُ حَيْثُ كَانَ، وَجَعَلَا يُعْجِبُهُمَا مَا يَرَيَانِ مِنْ فَهْمِهِ وَعَقْلِهِ‏.‏ وَقَدْ كَانَا رَأَيَا حِينَ أُدْخِلَا السِّجْنَ رُؤْيَا، فَرَأَى “ مِجْلَثُ “ أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ، وَرَأَى “ نَبُو “ أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا، فَاسْتَفْتَيَاهُ فِيهَا، وَقَالَا لَهُ‏:‏ ‏{‏نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، إِنْ فَعَلْتَ‏.‏

وَعَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏، أَيْ‏:‏ إِنِّي أَرَى فِي نَوْمِي أَنِّي أَعْصِرُ عِنَبًا‏.‏ وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الصَّائِغِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ “ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ لُغَةِ أَهْلِ عُمَانَ، وَأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْعِنَبَ خَمْرًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَعْصِرُ عِنَبًا، وَهُوَ بِلُغَةِ أَهْلِ عُمَانَ، يُسَمُّونَ الْعِنَبَ خَمْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ؛ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سَلَمَةِ بْنِ نَبِيطٍ، عَنِ الضَّحَاكِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ عِنَبًا، أَرْضُ كَذَا وَكَذَا يَدْعُونَ الْعِنَبَ “ خَمْرًا “‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ عِنَبًا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ أَتَاهُ فَقَالَ‏:‏ رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنِّي غَرَسْتُ حَبَلَةً مِنْ عِنَبٍ، فَنَبَتَتْ، فَخَرَجَ فِيهِ عَنَاقِيدُ فَعَصَرْتُهُنَّ، ثُمَّ سَقَيْتُهُنَّ الْمَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ تَمْكُثُ فِي السِّجْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتَسْقِيهِ خَمْرًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ الْآخَرُ مِنَ الْفَتَيَيْنِ‏:‏ إِنِّي أَرَانِي فِي مَنَامِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا؛ يَقُولُ‏:‏ أَحْمِلُ عَلَى رَأْسِي فَوُضِعَتْ “ فَوْقَ “ مَكَانَ “ عَلَى “ ‏{‏تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ مِنَ الْخُبْزِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَخْبِرْنَا بِمَا يَأُولُ إِلَيْهِ مَا أَخْبَرْنَاكَ أَنَّا رَأَيْنَاهُ فِي مَنَامِنَا، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِهِ قَالَ الْحَارِثُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ يَعْنِي مُجَاهِدٌ أَنَّ “ تَأْوِيلَ الشَّيْءِ “، هُوَ الشَّيْءُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمِنْهُ‏:‏ “ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا “، إِنَّمَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي تُؤَوَّلُ إِلَيْهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى “ الْإِحْسَانِ “ الَّذِي وَصَفَ بِهِ الْفَتَيَانِ يُوسُفَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ مَرِيضَهُمْ، وَيُعَزِّي حَزِينَهُمْ، وَإِذَا احْتَاجَ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ جَمَعَ لَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نَبِيطٍ، عَنِ الضَّحَاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ جَالِسًا مَعَهُ بِبَلْخَ، فَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ مَا كَانَ إِحْسَانُ يُوسُفَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانَ إِذَا مَرِضَ إِنْسَانٌ قَامَ عَلَيْهِ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ، وَإِذَا ضَاقَ أَوْسَعَ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نَبِيطٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ عُبَيْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ مَا كَانَ إِحْسَانُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانَ إِذَا مَرِضَ إِنْسَانٌ فِي السِّجْنِ قَامَ عَلَيْهِ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ، وَإِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْمَكَانُ وَسَّعَ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ إِحْسَانَهُ أَنَّهُ كَانَ يُدَاوِي مَرِيضَهُمْ، وَيُعَزِّي حَزِينَهُمْ، وَيَجْتَهِدُ لِرَبِّهِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ لَمَّا انْتَهَى يُوسُفُ إِلَى السِّجْنِ وَجَدَ فِيهِ قَوْمًا قَدِ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ، وَاشْتَدَّ بَلَاؤُهُمْ، فَطَالَ حُزْنُهُمْ، فَجَعَلَ يَقُولُ‏:‏ أَبْشِرُوا وَاصْبِرُوا تُؤْجَرُوا، إِنَّ لِهَذَا أَجْرًا، إِنَّ لِهَذَا ثَوَابًا‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا فَتَى، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ، وَأَحْسَنَ خُلُقَكَ، لَقَدْ بُورِكَ لَنَا فِي جِوَارِكَ، مَا نُحِبُّ أَنَّا كُنَّا فِي غَيْرِ هَذَا مُنْذُ حُبِسْنَا، لِمَا تُخْبِرُنَا مِنَ الْأَجْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالطَّهَارَةِ، فَمَنْ أَنْتَ يَا فَتَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنَا يُوسُفُ، ابْنُ صَفِّيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ، ابْنِ ذَبِيحِ اللَّهِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ‏.‏ وَكَانَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّةٌ‏.‏ وَقَالَ لَهُ عَامِلُ السِّجْنِ‏:‏ يَا فَتَى، وَاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْتُ لَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ، وَلَكِنْ سَأُحْسِنُ جِوَارَكَ، وَأُحْسِنُ إِسَارَكَ، فَكُنْ فِي أَيِّ بُيُوتِ السِّجْنِ شِئْتَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ خَلَفٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نَبِيطٍ، عَنِ الضَّحَاكِ فِي‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ يُوَسِّعُ لِلرَّجُلِ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَتَعَاهَدُ الْمَرْضَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، إِذَا نَبَّأَتْنَا بِتَأْوِيلِ رُؤْيَانَا هَذِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ اسْتَفْتَيَاهُ فِي رُؤْيَاهُمَا، وَقَالَا لَهُ‏:‏ ‏{‏نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، إِنْ فَعَلْتَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الضَّحَاكِ وَقَتَادَةَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا وَجْهُ الْكَلَامِ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ إِذَنْ كَمَا قُلْتَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَسْأَلَتَهُمَا يُوسُفَ أَنْ يُنْبِّئَهُمَا بِتَأْوِيلِ رُؤْيَاهُمَا، لَيْسَتْ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ صِفَتِهِ بِأَنَّهُ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ، وَيُحْسِنُ إِلَى مَنِ احْتَاجَ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ‏:‏ “ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِ هَذَا فَإِنَّكَ عَالِمٌ “، وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَحْسُنُ بِالْوَصْفِ بِالْعِلْمِ، لَا بِغَيْرِهِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ‏:‏ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِ رُؤْيَانَا مُحْسِنًا إِلَيْنَا فِي إِخْبَارِكَ إِيَّانَا بِذَلِكَ، كَمَا نَرَاكَ تُحْسِنُ فِي سَائِرِ أَفْعَالِكَ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيإِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏قَالَ‏)‏ يُوسُفُ لِلْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَعْبَرَاهُ الرُّؤْيَا‏:‏ ‏(‏لَا يَأْتِيكُمَا‏)‏، أَيُّهَا الْفَتَيَانِ فِي مَنَامِكُمَا ‏{‏طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏، فِي يَقَظَتِكُمَا ‏{‏قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ لَهُمَا‏:‏ ‏{‏لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ‏}‏، فِي النَّوْمِ ‏{‏إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏، فِي الْيَقَظَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ لَهُمَا‏:‏ ‏{‏لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فِي نَوْمِكُمَا ‏{‏إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏(‏بِتَأْوِيلِهِ‏)‏‏:‏ مَا يَأُولُ إِلَيْهِ وَيَصِيرُ مَا رَأَيَا فِي مَنَامِهِمَا مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي رَأَيَا أَنَّهُ أَتَاهُمَا فِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَذَا الَّذِي أَذْكُرُ أَنِّي أَعْلَمُهُ مِنْ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي فَعَلِمْتُهُ ‏{‏إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏}‏ وَجَاءَ الْخَبَرُ مُبْتَدَأً، أَيْ‏:‏ تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ، وَالْمَعْنَى‏:‏ مَا مِلْتُ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ الدَّلِيلَ عَلَى مَعْنَاهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنِّي بَرِئْتُ مِنْ مِلَّةِ مَنْ لَا يُصَدِّقُ بِاللَّهِ، وَيُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ ‏{‏وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُمْ مَعَ تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، لَا يُقِرُّونَ بِالْمَعَادِ وَالْبَعْثِ، وَلَا بِثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ‏.‏

وَكُرِّرَتْ “ هُمْ “ مَرَّتَيْنِ، فَقِيلَ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ‏}‏، لَمَّا دَخَلَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏بِالْآخِرَةِ‏)‏، فَصَارَتْ “ هُمْ “ الْأَوْلَى كَالْمُلْغَاةِ، وَصَارَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الثَّانِيَةِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّمْلِ‏:‏ 2 سُورَةُ لُقْمَانَ‏:‏ 4‏]‏، وَكَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 35‏]‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا وَجْهُ هَذَا الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ مِنْ يُوسُفَ‏؟‏ وَأَيْنَ جَوَابُهُ الْفَتَيَيْنِ عَمَّا سَأَلَاهُ مِنْ تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُمَا، مِنْ هَذَا الْكَلَامِ‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ يُوسُفَ كَرِهَ أَنْ يُجِيبَهُمَا عَنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَاهُمَا، لِمَا عَلِمَ مِنْ مَكْرُوهِ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَأَخَذَ فِي غَيْرِهِ، لِيُعْرِضَا عَنْ مَسْأَلَتِهِ الْجَوَابَ عَمَّا سَأَلَاهُ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ‏}‏‏.‏، قَالَ‏:‏ فَكَرِهَ الْعِبَارَةَ لَهُمَا، وَأَخْبَرَهُمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَسْأَلَاهُ عَنْهُ لِيُرِيَهُمَا أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا‏.‏ وَكَانَ الْمَلِكُ إِذَا أَرَادَ قَتْلَ إِنْسَانٍ، صَنَعَ لَهُ طَعَامًا مَعْلُومًا، فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ يُوسُفُ‏:‏ ‏{‏لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَشْكُرُونَ‏)‏‏.‏، فَلَمْ يَدَعَاهُ، فَعَدَلَ بِهِمَا، وَكَرِهَ الْعِبَارَةَ لَهُمَا‏.‏ فَلَمْ يَدَعَاهُ حَتَّى يَعْبُرَ لَهُمَا، فَعَدَلَ بِهِمَا وَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَعْلَمُونَ‏)‏، فَلَمْ يَدَعَاهُ حَتَّى عَبَّرَ لَهُمَا، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ‏}‏‏.‏ قَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا، إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ‏}‏، فِي الْيَقَظَةِ لَا فِي النَّوْمِ‏.‏ وَإِنَّمَا أَعْلَمَهُمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمَ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ الطَّعَامِ الَّذِي يَأْتِيهِمَا مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ وَمِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ النَّوْعَ الَّذِي إِذَا أَتَاهُمَا كَانَ عَلَامَةً لِقَتْلِ مَنْ أَتَاهُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَالنَّوْعَ الَّذِي إِذَا أَتَاهُ كَانَ عَلَّامَةً لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ عِنْدَهُ عَلِمَ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ‏}‏، وَاتَّبَعْتُ دِينَهُمْ لَا دِينَ أَهْلِ الشِّرْكِ ‏{‏مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا جَازَ لَنَا أَنْ نَجْعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، بَلِ الَّذِي عَلَيْنَا إِفْرَادُهُ بِالْأُلُوهَةِ وَالْعِبَادَةِ ‏{‏ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اتِّبَاعِي مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَرْكِي مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْنَا فَأَنْعَمَ إِذْ أَكْرَمَنَا بِهِ ‏{‏وَعَلَى النَّاسِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ، إِذْ أَرْسَلَنَا إِلَيْهِمْ دُعَاةً إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ لَا يَشْكُرُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُتَفَضِّلَ بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا‏}‏، أَنْ جَعَلَنَا أَنْبِيَاءَ ‏{‏وَعَلَى النَّاسِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَنْ بَعَثَُنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ‏}‏، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُولُ‏:‏ يَا رُبَّ شَاكِرِ نِعْمَةِ غَيْرِ مُنْعِمٍ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ذُكِرَ أَنَّ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِلْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ دَخَلَا مَعَهُ السِّجْنَ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ مُشْرِكًا، فَدَعَاهُ بِهَذَا الْقَوْلِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ يَا مَنْ هُوَ فِي السِّجْنِ، وَجَعَلَهُمَا “ صَاحِبَيْهِ “ لِكَوْنِهِمَا فِيهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِسُكَّانِ الْجَنَّةِ‏:‏ فَـ ‏{‏أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ وَكَذَلِكَ قَالَ لِأَهْلِ النَّارِ، وَسَمَّاهُمْ “ أَصْحَابَهَا “ لِكَوْنِهِمْ فِيهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَعِبَادَةُ أَرْبَابٍ شَتَّى مُتَفَرِّقِينَ وَآلِهَةٍ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، خَيْرٌ أَمْ عِبَادَةُ الْمَعْبُودِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، الَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ فَذَلَـلَّهُ وَسَخَّرَهُ، فَأَطَاعَهُ طَوْعًا وَكَرْهًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا يَعْلَمُونَ‏)‏، لَمَّا عَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ يُوسُفُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَقْتُولٌ، دَعَاهُمَا إِلَى حَظِّهِمَا مِنْ رَبِّهِمَا، وَإِلَى نَصِيبِهِمَا مِنْ آخِرَتِهِمَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ‏}‏ يُوسُفُ يَقُولُهُ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ ثُمَّ دَعَاهُمَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏، أَيْ‏:‏ خَيْرٌ أَنْ تَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا، أَوْ آلِهَةً مُتَفَرِّقَةً لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍإِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‏}‏، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا تَعْبُدُونَ‏)‏ وَقَدِ ابْتَدَأَ الْخِطَابَ بِخِطَابِ اثْنَيْنِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ‏}‏ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُخَاطَبَ بِهِ، وَمَنْ هُوَ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ مُقِيمٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، فَقَالَ لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ‏:‏ مَا تَعْبُدُ أَنْتَ وَمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ‏{‏إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ‏}‏، وَذَلِكَ تَسْمِيَتُهُمْ أَوْثَانَهُمْ آلِهَةً أَرْبَابًا، شِرْكًا مِنْهُمْ، وَتَشْبِيهًا لَهَا فِي أَسْمَائِهَا الَّتِي سَمَّوْهَا بِهَا بِاللَّهِ، تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ شَبِيهٌ ‏{‏مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ سَمَّوْهَا بِأَسْمَاءٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ بِتَسْمِيَتِهَا، وَلَا وَضَعَ لَهُمْ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ أَسْمَاؤُهَا، دَلَالَةً وَلَا حُجَّةً، وَلَكِنَّهَا اخْتِلَاقٌ مِنْهُمْ لَهَا وَافْتِرَاءٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا أَنْتُمْ وَجَمِيعُ خَلْقِهِ، إِلَّا اللَّهَ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ خَالِصَةً دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا أَيَّاهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ أُسِّسَ الدِّينُ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَذَا الَّذِي دَعَوْتُكُمَا إِلَيْهِ مِنَ الْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ تُخْلِصَا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، هُوَ الدِّينُ الْقَوِيمُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ يَجْهَلُونَ ذَلِكَ، فَلَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِقُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ يُوسُفَ لِلَّذِينِ دَخَلَا مَعَهُ السِّجْنَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا‏}‏، هُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا، فَيَسْقِي رَبَّهُ يَعْنِي سَيِّدَهُ، وَهُوَ مِلْكُهُمْ “ خَمْرًا “، يَقُولُ‏:‏ يَكُونُ صَاحِبَ شَرَابِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ سَيِّدُهُ‏.‏

وَأَمَّا الْآخَرُ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّ عَلَى رَأْسِهِ خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ “ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ “، فَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ مَا أَخْبَرَاهُ بِهِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فِي مَنَامِهِمَا، قَالَا لَهُ‏:‏ مَا رَأَيْنَا شَيْئًا‏!‏ فَقَالَ لَهُمَا‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ اسْتَفْتَيْتُمَا، وَوَجَبَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْكُمَا بِالَّذِي أَخْبَرْتُكُمَا بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّذَانِ دَخَلَا السِّجْنَ عَلَى يُوسُفَ‏:‏ مَا رَأَيْنَا شَيْئًا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَمَّا قَالَا مَا قَالَا أَخْبَرَهُمَا، فَقَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ أَتَيَا يُوسُفَ وَالرُّؤْيَا، إِنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَاهُ، فَلَمَّا أَوَّلَ رُؤْيَاهُمَا قَالَا إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ مَا رَأَى صَاحِبَا يُوسُفَ شَيْئًا، إِنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَا عِلْمَهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا‏!‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ‏؟‏ ‏{‏نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ‏}‏‏.‏ فَلَمَّا عَبَرَ، قَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏، عَلَى مَا عَبَرَ يُوسُفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ لِمِجْلِثَ‏:‏ أَمَّا أَنْتَ فَتُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ‏.‏ وَقَالَ لِنَبُو‏:‏ أَمَّا أَنْتَ فَتُرَدُّ عَلَى عَمَلِكَ، فَيَرْضَى عَنْكَ صَاحِبُكَ، ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏ أَوْ كَمَا قَالَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏، عِنْدَ قَوْلِهِمَا‏:‏ مَا رَأَيْنَا رُؤْيَا إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ‏!‏ قَالَ‏:‏ قَدْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا أَوَّلْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِفَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ لِلَّذِي عَلِمَ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ اللَّذَيْنِ اسْتَعْبَرَاهُ الرُّؤْيَا‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ اذْكُرْنِي عِنْدَ سَيِّدِكَ، وَأَخْبِرْهُ بِمَظْلِمَتِي، وَأَنِّي مَحْبُوسٌ بِغَيْرِ جُرْمٍ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ قَالَ يَعْنِي لِنَبُو ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏‏:‏ أَيْ اذْكُرْ لِلْمَلِكِ الْأَعْظَمِ مَظْلِمَتِي وَحَبْسِي فِي غَيْرِ شَيْءٍ، قَالَ‏:‏ أَفْعَلُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏ قَالَ لِلَّذِي نَجَا مِنْ صَاحِبَيْ السِّجْنِ، يُوسُفُ يَقُولُ‏:‏ اذْكُرْنِي عِنْدَ الْمَلِكِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَسْبَاطَ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ عِنْدَ مَلِكِ الْأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، الَّذِي نَجَا مِنْ صَاحِبَيْ السِّجْنِ، يَقُولُ يُوسُفُ‏:‏ اذْكُرْنِي لِلْمَلِكِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ‏:‏ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى بَابِ السِّجْنِ، قَالَ لَهُ صَاحِبٌ لَهُ‏:‏ حَاجَتَكَ أَوْصِنِي بِحَاجَتِكَ‏!‏ قَالَ‏:‏ حَاجَتِي أَنْ تَذْكُرَنِي عِنْدَ رَبِّكَ سِوَى الرَّبِّ، قَالَ يُوسُفُ‏.‏

وَكَانَ قَتَادَةُ يُوَجِّهُ مَعْنَى “ الظَّنِّ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِلَى “ الظَّنِّ “، الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْيَقِينِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، وَإِنَّمَا عِبَارَةُ الرُّؤْيَا بِالظَّنِّ، فَيُحِقُّ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُبْطِلُ مَا يَشَاءُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ، مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا ظَنٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ‏.‏ فَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَغَيْرُ جَائِزٍ مِنْهَا أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرٍ عَنْ أَمْرٍ أَنَّهُ كَائِنٌ ثُمَّ لَا يَكُونُ، أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ كَائِنٍ ثُمَّ يَكُونُ، مَعَ شَهَادَتِهَا عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَخْبَرَتْ عَنْهُ أَنَّهُ كَائِنٌ أَوْ غَيْرُ كَائِنٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ عَلَيْهَا فِي أَخْبَارِهَا، لَمْ يُؤْمَنْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ أَخْبَارِهَا‏.‏ وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ فِي أَخْبَارِهَا، سَقَطَتْ حُجَّتُهَا عَلَى مَنْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرٍ إِلَّا وَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ‏.‏ فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ، أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَقْطَعْ الشَّهَادَة عَلَى مَا أَخْبَرَ الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَعْبَرَاهُ أَنَّهُ كَائِنٌ، فَيَقُولُ لِأَحَدِهِمَا‏:‏ ‏{‏أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ‏}‏، ثُمَّ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏، عِنْدَ قَوْلِهِمَا‏:‏ ‏(‏لَمْ نَرَ شَيْئًا‏)‏، إِلَّا وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مَا أَخْبَرَهُمَا بِحُدُوثِهِ وَكَوْنِهِ، أَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ لَا شَكَّ فِيهِ‏.‏ وَلِيَقِينِهِ بِكَوْنِ ذَلِكَ، قَالَ لِلنَّاجِي مِنْهُمَا‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏‏.‏ فَبَيِّنٌ إذًا بِذَلِكَ فَسَادُ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏}‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ غَفْلَةٍ عَرَضَتْ لِيُوسُفَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ، نَسِيَ لَهَا ذِكْرَ رَبِّهِ الَّذِي لَوْ بِهِ اسْتَغَاثَ لَأَسْرَعَ بِمَا هُوَ فِيهِ خَلَاصُهُ، وَلَكِنَّهُ زَلَّ بِهَا فَأَطَالَ مِنْ أَجْلِهَا فِي السَّجْنِ حَبْسَهُ، وَأَوْجَعَ لَهَا عُقُوبَتَهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيُّ، عَنْ بِسِطَامَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَالَ يُوسُفُ لِلسَّاقِي‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ قِيلَ‏:‏ يَا يُوسُفُ، اتَّخَذْتَ مِنْ دُونِي وَكِيلًا‏؟‏ لَأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ‏!‏ فَبَكَى يُوسُفُ وَقَالَ‏:‏ يَا رَبِّ، أَنْسَى قَلْبِي كَثْرَةُ الْبَلْوَى، فَقُلْتُ كَلِمَةً، فَوَيْلٌ لِإِخْوَتِي‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْلَا أَنَّهُ يَعْنِي يُوسُفَ قَالَ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ، مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِث»‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِِ قَالَ‏:‏ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «رَحِمَ اللَّهُ يُوسُفَ لَوْلَا كَلِمَتُهُ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏»، قَالَ‏:‏ ثُمَّ يَبْكِي الْحَسَنُ فَيَقُولُ‏:‏ نَحْنُ إِذَا نَـزَلَ بِنَا أَمْرٌ فَزِعْنَا إِلَى النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ، مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِث»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ يَعْنِي الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يَعْنِي حَيْثُ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّه»‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَوْ لَمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ عَلَى رَبِّهِ، مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِث»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «لَوْلَا أَنَّ يُوسُفَ اسْتَشْفَعَ عَلَى رَبِّهِ، مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا عُوقِبَ بِاسْتِشْفَاعِهِ عَلَى رَبِّه»‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لَهُ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى رَأَى الْمَلِكُ الرُّؤْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، وَأَمَرَهُ بِذِكْرِ الْمَلِكِ وَابْتِغَاءِ الْفَرَجِ مِنْ عِنْدِهِ، ‏{‏فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ‏}‏ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، عُقُوبَةً لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ حَدِيث مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، سَوَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ حَدِيثِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ‏.‏

وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا أَنْسَى الشَّيْطَانُ السَّاقِيَ ذِكْرَ أَمْرِ يُوسُفَ لِمَلِكِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ لَمَّا خَرَجَ يَعْنِي الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا رُدَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ عَنْهُ صَاحِبُهُ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ ذَلِكَ لِلْمَلِكِ الَّذِي أَمَرَهُ يُوسُفُ أَنْ يَذْكُرَهُ، فَلَبِثَ يُوسُفُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ‏.‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَلَبِثَ يُوسُفُ فِي السَّجْنِ، لِقِيلِهِ لِلنَّاجِي مِنْ صَاحِبَيْ السِّجْنِ مِنَ الْقِيلِ‏:‏ “ اذْكُرْنِي عِنْدَ سَيِّدِكَ “، بِضْعَ سِنِينَ، عُقُوبَةً لَهُ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ “ الْبِضْعِ “ الَّذِي لَبِثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ سَبْعُ سِنِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ أَبُو عَثْمَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ لَبِثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ سَبْعَ سِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ سَبْعُ سِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ أَبُو الْهُذَيْلِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُولُ‏:‏ أَصَابَ أَيُّوبَ الْبَلَاءُ سَبْعَ سِنِينَ، وَتُرِكَ فِي السِّجْنِ يُوسُفُ سَبْعَ سِنِينَ، وَعُذِّبَ بَخْتِنْصَرُ، فَحُوِّلَ فِي السِّبَاعِ سَبْعَ سِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ زَعَمُوا أَنَّهَا يَعْنِي “ الْبِضْعَ “ سَبْعَ سِنِينَ، كَمَا لَبِثَ يُوسُفُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ الْبِضْعُ “، مَا بَيْنَ الثَّلَاثَ إِلَى التِّسْعِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ‏:‏ “ الْبِضْعُ “ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَ إِلَى التِّسْعِ‏.‏

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏بِضْعَ سِنِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَ إِلَى التِّسْعِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ مَا دُونَ الْعَشْرِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏بِضْعَ سِنِينَ‏}‏، دُونَ الْعَشْرَةِ‏.‏

وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ “ الْبِضْعَ “ لَا يُذْكَرُ إِلَّا مَعَ “ عَشْرٍ “، وَمَعَ “ الْعِشْرِينَ “ إِلَى التِّسْعِينَ، وَهُوَ “ نَيِّفٌ “ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ كَذَلِكَ رَأَيْتُ الْعَرَبَ تَفْعَلُ‏.‏ وَلَا يَقُولُونَ‏:‏ “ بِضْعٌ وَمِئَةٌ “ وَلَا “ بِضْعٌ وَأَلْفٌ “، وَإِذَا كَانَتْ لَلذُّكْرَانِ قِيلَ‏:‏ “ بِضْعٌ “‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏- وَالصَّوَابُ فِي “ الْبِضْعِ “ مِنَ الثَّلَاثَ إِلَى التِّسْعِ، إِلَى الْعَشْرِ، وَلَا يَكُونُ دُونَ الثَّلَاثَ‏.‏ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ إِلَى الْمِئَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمِئَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ “ بِضْعٌ “‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَقَالَ مَلِكُ مِصْرَ‏:‏ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ مِنَ الْبَقَرِ عِجَافٌ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ “ إِنِّي أَرَى “، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، لِتَعَارُفِ الْعَرَبِ بَيْنَهَا فِي كَلَامِهَا إِذَا قَالَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ‏:‏ “ أَرَى أَنِّي أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا “، أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ رُؤْيَتِهِ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ‏.‏ وَأَخْرَجَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى مَا قَدْ جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ‏.‏

‏{‏وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَرَى سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ فِي مَنَامِي ‏(‏وَأُخَرَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَسَبْعًا أُخَرَ مِنَ السُّنْبُلِ ‏{‏يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَا أَيُّهَا الْأَشْرَافُ مِنْ رِجَالِي وَأَصْحَابِي ‏{‏أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ‏}‏، فَاعْبُرُوهَا، ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا‏}‏ عَبَرَةً‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَرَى الْمَلِكَ فِي مَنَامِهِ رُؤْيَا هَالَتْهُ، فَرَأَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ، وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ، فَجَمَعَ السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ والحُزَاةَ وَالْقَافَةَ، فَقَصَّهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ ثُمَّ إِنْ الْمَلِكَ الرَّيَّانَ بْنَ الْوَلِيدِ رَأَى رُؤْيَاهُ الَّتِي رَأَى فَهَالَتْهُ، وَعَرَفَ أَنَّهَا رُؤْيَا وَاقِعَةٌ، وَلَمْ يَدْرِ مَا تَأْوِيلُهَا، فَقَالَ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏بِعَالَمِينَ‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ سَأَلَهُمْ مَلِكُ مِصْرَ عَنْ تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُ‏:‏ رُؤْيَاكَ هَذِهِ “ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ “، يَعْنُونَ أَنَّهَا أَخْلَاطُ رُؤْيَا كَاذِبَةٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا‏.‏

وَهِيَ جَمْعُ “ ضِغْثٍ “، وَ“ الضِّغْثُ “ أَصْلُهُ الْحُزْمَةُ مِنَ الْحَشِيشِ، يُشَبَّهُ بِهَا الْأَحْلَامُ الْمُخْتَلِطَةُ الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لَهَا وَ“ الْأَحْلَامُ “، جَمْعُ حُلْمٍ، وَهُوَ مَا لَمْ يَصْدُقْ مِنَ الرُّؤْيَا، وَمِنَ “ الْأَضْغَاثِ “ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ‏:‏

خَـوْدٌ كَـأَنَّ فِرَاشَـهَا وُضِعَـتْ بِـهِ *** أضْغَـاثُ رَيْحَـانٍ غَـدَاةَ شَـمَالِ

وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

يَحْـمِي ذِمَـارَ جَـنِينٍ قَـلَّ مَانِعُـهُ *** طَـاوٍ كَـضِغْثِ الْخَلَا فِي الْبَطْنِ مُكْتَمِنُ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُشْتَبِهَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ‏}‏، كَاذِبَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَصَّ الْمَلِكُ رُؤْيَاهُ الَّتِي رَأَى عَلَى أَصْحَابِهِ، قَالُوا‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ‏}‏، أَيْ فِعْلُ الْأَحْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَخْلَاطُ أَحْلَامٍ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ قَالَ‏:‏ “ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ “، كَاذِبَةٌ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنِي الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ‏:‏ “ قَالُوا أَضْغَاثُ “ قَالَ‏:‏ كَذِبٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ‏}‏، هِيَ الْأَحْلَامُ الْكَاذِبَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا نَحْنُ بِمَا تَئُولُ إِلَيْهِ الْأَحْلَامُ الْكَاذِبَةُ بِعَالَمِينَ‏.‏

وَالْبَاءُ الْأُولَى الَّتِي فِي “ التَّأْوِيلِ “ مِنْ صِلَةِ “ الْعَالِمِينَ “، وَالَّتِي فِي “ الْعَالِمِينَ “ “ الْبَاءُ “ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ مَعَ “ مَا “ الَّتِي بِمَعْنَى الْجَحْدِ وَرُفِعَ “ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ “، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ لَيْسَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هِيَ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏45- 46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنَ الْقَتْلِ مِنْ صَاحِبَيِ السِّجْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَعْبَرَا يُوسُفَ الرُّؤْيَا ‏(‏وَادَّكَرَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَتَذَكَّرَ مَا كَانَ نَسِيَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ، وَذَكَرَ حَاجَتَهُ لِلْمَلِكِ الَّتِي كَانَ سَأَلَهُ عِنْدَ تَعْبِيرِهِ رُؤْيَاهُ أَنْ يَذْكُرَهَا لَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏ ‏(‏بَعْدَ أُمَّةٍ‏)‏، يَعْنِي بَعْدَ حِينٍ، كَالَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذَكَرَ بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِِ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏ بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زَرِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ‏:‏ ‏(‏بَعْدَ أُمَّةٍ‏)‏‏:‏ بَعْدَ حِينٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏بَعْدَ أُمَّةٍ‏)‏، بَعْدَ سِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَعْدَ حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحِمَانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، أَيْ‏:‏ بَعْدَ حِقْبَةٍ مِنَ الدَّهْرِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏بَعْدَ أُمَّةٍ‏)‏ بِضَمِّ الْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْقَرَأَةِ فِي أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ‏.‏

وَقَدّ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ‏:‏ “ بَعْدَ أَمَةٍ “ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى‏:‏ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ “ أَمِهَ الرَّجُلُ يَأْمَهُ أَمَهًا “إِذَا نَسِيَ‏.‏

وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ “ بَعْدَ أَمَهٍ “ وَيُفَسِّرُهَا‏:‏ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ “ بَعْدَ أَمَهٍ “ يَقُولُ‏:‏ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ الْخَلِيلِ الْيَحْمَدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ “ بَعْدَ أَمَهٍ “، و “ الْأَمَهُ‏:‏ “ النِّسْيَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ الْغَنَوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ قَالَ هَارُونُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو هَارُونَ الْغَنَوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ “ بَعْدَ أَمَهٍ “، بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ “ وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ‏:‏ “ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَيْ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ “ وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ “ قَالَ‏:‏ مِنْ بَعْدِ نِسْيَانِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمُعَلِّمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ “ وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ “‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ‏:‏ ‏(‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ‏)‏ قَالَ‏:‏ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ “ يَقُولُ‏:‏ بَعْدَ نِسْيَانٍ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا قِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ قَرَأَ مُجَاهِدٌ‏:‏ “ وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمْهٍ “، مَجْزُومَةَ الْمِيمَ مُخَفَّفَةً‏.‏

وَكَأَنَّ قَارِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ أَمِهَ يَأْمَهُ أَمْهًا “، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، نَظِيرُ تَأْوِيلِ مَنْ فَتَحَ الْأَلِفَ وَالْمِيمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ ‏(‏فَأَرْسِلُونِ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَطْلِقُونِي، أَمْضِي لِآتِيَكُمْ بِتَأْوِيلِهِ مِنْ عِنْدِ الْعَالَمِ بِهِ‏.‏

وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ، وَذَلِكَ‏:‏ “ فَأَرْسَلُوهُ، فَأَتَى يُوسُفَ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ “ يَا يُوسُفُ، يَا أَيُّهَا الصَّدِيقُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ قَالَ الْمَلِكُ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ‏}‏ الْآيَةَ، وَقَالُوا لَهُ مَا قَالَ‏:‏ وَسَمِعَ نَبُو مِنْ ذَلِكَ مَا سَمِعَ وَمَسْأَلَتَهُ عَنْ تَأْوِيلِهَا، ذَكَرَ يُوسُفَ وَمَا كَانَ عَبَرَ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ، وَمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ‏:‏ ‏{‏أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ‏}‏، يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏، أَيْ حِقْبَةٍ مِنَ الدَّهْرِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ‏:‏ يَا يُوسُفُ، إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ رَأَى كَذَا وَكَذَا، فَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، فَقَالَ فِيهَا يُوسُفُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ لَنَا فِي الْكِتَابِ، فَجَاءَهُمْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ تَأْوِيلُهَا، فَخَرَجَ نَبُو مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ بِمَا أَفْتَاهُمْ بِهِ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَا الْمَلِكِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا إِنَّمَا قَالَ‏:‏ “ أَرْسِلُونِي “، لِأَنَّ السِّجْنَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ‏}‏، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَمْ يَكُنِ السِّجْنُ فِي الْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقَ السَّاقِي إِلَى يُوسُفَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ‏}‏ الْآيَاتَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ رُئِينَ فِي الْمَنَامِ، يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ مِنْهَا عِجَافٌ وَفِي سَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ رُئِينَ أَيْضًا، وَسَبْعٍ أُخَرَ مِنْهُنَّ يَابِسَاتٍ‏.‏ فَأَمَّا “ السِّمَانُ مِنَ الْبَقَرِ “، فَإِنَّهَا السُّنُونَ الْمُخْصِبَةُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَمَّا السِّمَانُ فَسُنُونَ مِنْهَا مُخْصِبَةٌ، وَأَمَّا السَّبْعُ الْعِجَافُ، فَسُنُونَ مُجْدِبَةٌ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ‏}‏، فَالسِّمَانُ الْمَخَاصِيبُ، وَالْبَقَرَاتُ الْعِجَافُ‏:‏ هِيَ السُّنُونَ الْمُحُولُ الجُدُوبُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ‏}‏، أَمَّا ‏(‏الْخُضْرُ‏)‏ فَهُنَّ السُّنُونَ الْمَخَاصِيبُ وَأَمَّا ‏(‏الْيَابِسَاتُ‏)‏ فَهُنَّ الْجَدُوبُ الْمُحُولُ‏.‏

وَ “ الْعِجَافُ “ جَمْعُ “ عَجِفٍ “ وَهِيَ الْمَهَازِيلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَيْ أَرْجِعَ إِلَى النَّاسِ فَأُخْبِرَهُمْ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِيَعْلَمُوا تَأْوِيلَ مَا سَأَلْتُكَ عَنْهُ مِنَ الرُّؤْيَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ لِسَائِلِهِ عَنْ رُؤْيَا الْمَلِكِ‏:‏ ‏{‏تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَزْرَعُونَ هَذِهِ السَّبْعَ السِّنِينَ، كَمَا كُنْتُمْ تَزْرَعُونَ سَائِرَ السِّنِينَ قَبْلَهَا عَلَى عَادَتِكُمْ فِيمَا مَضَى‏.‏

و “ الدَّأْبُ “ الْعَادَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ‏:‏

كَـدَأْبِكَ مِـنْ أُمِّ الحُـوَيْرِثِ قَبْلَهَـا *** وَجَارَتِهـا أُمِّ الرَّبَـابِ بِمأْسَـلِ

يَعْنِي كَعَادَتِكَ مِنْهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ‏}‏، وَهَذَا مَشُورَةٌ أَشَارَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ، وَرَأْيٌ رَآهُ لَهُمْ صَلَاحًا، يَأْمُرُهُمْ بِاسْتِبْقَاءِ طَعَامِهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ يُوسُفُ‏:‏ ‏{‏تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا‏}‏ الْآيَةَ، فَإِنَّمَا أَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَاءَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّيَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِ السِّنِينَ السَّبْعِ الَّتِي تَزْرَعُونَ فِيهَا دَأْبًا، سُنُونَ سَبْعٌ شِدَادٌ، يَقُولُ‏:‏ جَدُوبٌ قَحِطَةٌ ‏{‏يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُؤْكَلُ فِيهِنَّ مَا قَدَّمْتُمْ فِي إِعْدَادِ مَا أَعْدَدْتُمْ لَهُنَّ فِي السِّنِينَ السَّبْعَةِ الْخِصْبَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأَقْوَاتِ‏.‏

وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏(‏يَأْكُلْنَ‏)‏، فَوَصَفَ السِّنِينَ بِأَنَّهُنَّ ‏(‏يَأْكُلُهُنَّ‏)‏، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى‏:‏ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَأْكُلُونَ فِيهِنَّ، كَمَا قِيلَ‏:‏

نَهَـارُكَ يَـا مَغْـرُورُ سَـهْوٌ وَغَفْلَـةٌ *** وَلَيْلُـكَ نَـوْمٌ والـرَّدَى لَـكَ لَازِمُ

فَوَصَفَ النَّهَارَ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَاللَّيْلَ بِالنَّوْمِ، وَإِنَّمَا يُسْهَى فِي هَذَا وَيُغْفَلُ فِيهِ، وَيُنَامُ فِي هَذَا، لِمَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَادِ مِنْهُ‏.‏

‏{‏إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا يَسِيرًا مِمَّا تُحْرِزُونَهُ‏.‏

وَالْإِحْصَانُ‏:‏ التَّصْيِيرُ فِي الْحِصْنِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِحْرَازُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَأْكُلْنَ مَا كُنْتُمُ اتَّخَذْتُمْ فِيهِنَّ مِنَ الْقُوتِ ‏{‏إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ‏}‏، وَهُنَّ الْجُدُوبُ الْمُحُولُ ‏{‏يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ‏}‏، وَهُنَّ الْجُدُوبُ، ‏{‏يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏، مِمَّا تَدَّخِرُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ تُخَزِّنُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏تُحْصِنُونَ‏}‏، تُحْرِزُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِمَّا تَرْفَعُونَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تُحْصِنُونَ‏)‏، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا فِيهِ، فَإِنَّ مَعَانِيَهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ وَتَأْوِيلُهَا عَلَى مَا بَيَّنْتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْقَوْمِ عَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي رُؤْيَا مَلِكِهِمْ، وَلَكِنَّهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ دَلَالَةً عَلَى نَبُّوتِهِ وَحُجَّةً عَلَى صِدْقِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ثُمَّ زَادَهُ اللَّهُ عِلْمَ سَنَةٍ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ‏}‏، بِالْمَطَرِ وَالْغَيْثِ‏.‏

وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِيهِ يُغَاثُونَ بِالْمَطَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ‏:‏ ‏{‏فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْمَطَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَهُمْ بِشَيْءٍ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَلَّمَهُ إِيَّاهُ، ‏{‏عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ‏}‏، بِالْمَطَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ‏}‏، بِالْمَطَرِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ الْعِنَبَ وَالسِّمْسِمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْأَعْنَابُ وَالدُّهْنُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، السِّمْسِمَ دُهْنًا، وَالْعِنَبَ خَمْرًا، وَالزَّيْتُونَ زَيْتًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُصِيبُهُمْ غَيْثٌ، فَيَعْصِرُونَ فِيهِ الْعِنَبَ، وَيَعْصِرُونَ فِيهِ الزَّيْتَ، وَيَعْصِرُونَ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْصِرُونَ أَعْنَابَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعِنَبَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الزَّيْتَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مُعَمِّرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ “ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏ “ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَعْصِرُونَ الْأَعْنَابَ وَالثَّمَرَاتِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْصِرُونَ الْأَعْنَابَ وَالزَّيْتُونَ وَالثِّمَارَ مِنَ الْخِصْبِ‏.‏ هَذَا عِلْمٌ آتَاهُ اللَّهُ يُوسُفَ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، وَفِيهِ يَحْلِبُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي فَضَالَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِيهِ يَحْلِبُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ‏:‏ “ وَفِيهِ تَعْصِرُونَ “ بِالتَّاءِ، يَعْنِي‏:‏ تَحْتَلِبُونَ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَهُ بَعْضُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏، بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى مَا وَصَفْتُ، مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ عَصْرُ الْأَعْنَابِ وَالْأَدْهَانِ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ “ وَفِيهِ تَعْصِرُونَ “، بِالتَّاءِ‏.‏

وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ‏:‏ “ وَفِيهِ يُعْصَرُونَ “، بِمَعْنَى‏:‏ يُمْطَرُونَ‏.‏

وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا، لِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ لِقَارِئِهِ الْخِيَارَ فِي قِرَاءَتِهِ بِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ شَاءَ، إِنْ شَاءَ بِالْيَاءِ، رَدًّا عَلَى الْخَبَرِ بِهِ عَنْ “ النَّاسِ “، عَلَى مَعْنَى‏:‏ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ أَعْنَابَهُمْ وَأَدْهَانَهُمْ وَإِنْ شَاءَ بِالتَّاءِ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏، وَخِطَابًا بِهِ لِمَنْ خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏}‏ لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ بِاتِّفَاقِ الْمَعْنَى، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ بِهِمَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ إِذَا أُغِيثُوا وَعُصِرُوا، أُغِيثَ النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا بِنَاحِيَتِهِمْ وَعُصِرُوا‏.‏ وَكَذَلِكَ كَانُوا إِذَا أُغِيثَ النَّاسُ بِنَاحِيَتِهِمْ وَعُصِرُوا، أُغِيثَ الْمُخَاطَبُونَ وَعُصِرُوا، فَهُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، مِمَّنْ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ عَلَى مَذْهَبِ كَلَامِ الْعَرَبِ، يُوَجِّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفِيهِ يَعْصِرُونَ‏}‏ إِلَى‏:‏ وَفِيهِ يَنْجُونَ مِنَ الْجَدَبِ وَالْقَحْطِ بِالْغَيْثِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ “ الْعَصْرِ “ وَ“ الْعُصْرَةِ “ الَّتِي بِمَعْنَى الْمَنْجَاةِ، مِنْ قَوْلِ أَبِي زُبَيْدٍ الطَّائِيِّ‏:‏

صَادِيًـا يَسْـتَغِيثُ غَـيْرَ مُغَـاثٍ *** وَلَقَـدْ كَـانَ عُصْـرَةَ المَنْجُـودِ

أَيّ الْمَقْهُورِ‏.‏ وَمِنْ قَوْلِ لَبِيدٍ‏:‏

فَبَـاتَ وَأَسْـرَى الْقَـوْمُ آخِـرَ لَيْلِهِـمْ *** وَمَـا كَـانَ وَقَّافًـا بِغَـيْرِ مُعَصَّـرِ

وَذَلِكَ تَأْوِيلٌ يَكْفِي مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطَئِهِ خِلَافُهُ قَوْلَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ‏.‏

وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رَوَى الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَخِلَافُ مَا يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ الَّذِي أَرْسَلُوهُ إِلَى يُوسُفَ، الَّذِي قَالَ‏:‏ ‏{‏أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ‏}‏ فَأَخْبَرَهُمْ بِتَأْوِيلِ رُؤْيَا الْمَلِكِ عَنْ يُوسُفَ عَلِمَ الْمَلِكُ حَقِيقَةَ مَا أَفْتَاهُ بِهِ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَاهُ وَصِحَّةِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَلِكُ‏:‏ ائْتُونِي بِالَّذِي عَبَرَ رُؤْيَايَ هَذِهِ‏.‏ كَالَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ فَخَرَجَ نَبُو مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ بِمَا أَفْتَاهُمْ بِهِ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَا الْمَلِكِ حَتَّى أَتَى الْمَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ‏.‏ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا فِي نَفْسِهِ كَمِثْلِ النَّهَارِ، وَعَرِفَ أَنَّ الَّذِي قَالَ كَائِنٌ كَمَا قَالَ، قَالَ‏:‏ “ ‏{‏ائْتُونِي بِهِ‏}‏ “‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ لَمَّا أَتَى الْمَلِكَ رَسُولُهُ قَالَ‏:‏ “ ‏{‏ائْتُونِي بِهِ‏}‏ “‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَمَّا جَاءَهُ رَسُولُ الْمَلِكِ يَدْعُوهُ إِلَى الْمَلِكِ ‏{‏قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَالَ يُوسُفُ لِلرَّسُولِ‏:‏ ارْجِعْ إِلَى سَيِّدِكَ ‏{‏فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ‏}‏‏؟‏ وَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الرَّسُولِ وَإِجَابَةَ الْمَلِكِ، حَتَّى يَعْرِفَ صِحَّةَ أَمْرِهِ عِنْدَهُمْ مِمَّا كَانُوا قَرَفُوهُ بِهِ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ‏:‏ سَلِ الْمَلِكَ مَا شَأْنُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَالْمَرْأَةِ الَّتِي سُجِنْتُ بِسَبَبِهَا‏؟‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ‏}‏، وَالْمَرْأَةِ الَّتِي سُجِنْتُ بِسَبَبِ أَمْرِهَا، عَمَّا كَانَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ لَمَّا أَتَى الْمَلِكَ رَسُولُهُ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ‏:‏ ‏{‏ائْتُونِي بِهِ‏}‏، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ وَدَعَاهُ إِلَى الْمَلِكِ، أَبَى يُوسُفُ الْخُرُوجَ مَعَهُ ‏{‏وَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏ قَالَ السُّدِّيُّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَوْ خَرَجَ يُوسُفُ يَوْمئِذٍ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَ الْمَلِكَ بِشَأْنِهِ، مَا زَالَتْ فِي نَفْسِ الْعَزِيزِ مِنْهُ حَاجَةٌ‏!‏ يَقُولُ‏:‏ هَذَا الَّذِي رَاوَدَ امْرَأَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «يَرْحَمُ اللَّهُ يُوسُفَ إِنْ كَانَ ذَا أَنَاةٍ‏!‏ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَحْبُوسَ ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَيَّ لَخَرَجْتُ سَرِيعًا، إِنْ كَانَ لَحَلِيمًا ذَا أَنَاة»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمَّ جَاءَنِي الدَّاعِي لَأَجَبْتُهُ، إِذْ جَاءَهُ الرَّسُولُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ‏}‏ الْآيَةَ»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِي»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ‏}‏، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْ كُنْتُ أَنَا، لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْر»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ‏}‏ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْ بَعَثَ إِلَيَّ لَأَسْرَعْتُ فِي الْإِجَابَةِ، وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْبَقَرَاتِ الْعِجَافِ وَالسِّمَانِ، وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ مَا أَخْبَرْتُهُمْ بِشَيْءٍ حَتَّى أَشْتَرِطَ أَنْ يُخْرِجُونِي‏.‏ وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ، وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَبَادَرْتُهُمُ الْبَابَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعُذْرُ»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ‏}‏، أَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا يَخْرُجَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْعُذْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَرَادَ يُوسُفُ الْعُذْرَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ السِّجْنِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذُو عِلْمٍ بِصَنِيعِهِنَّ وَأَفْعَالِهِنَّ الَّتِي فَعَلْنَ، بِي وَيَفْعَلْنَ بِغَيْرِي مِنَ النَّاسِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ جَزَائِهِنَّ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ مَعْنًى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّ سَيِّدِي إِطْفِيرَ الْعَزِيزَ، زَوْجَ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي، ذُو عِلْمٍ بِبَرَاءَتِي مِمَّا قَرَفَتْنِي بِهِ مِنَ السُّوءِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ، قَدِ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَهُوَ‏:‏ “ فَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى الْمَلِكِ مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ بِرِسَالَتِهِ، فَدَعَا الْمَلِكُ النِّسْوَةَ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَامْرَأَةَ الْعَزِيزِ “ فَقَالَ لَهُنَّ‏:‏ ‏{‏مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ‏}‏، كَالَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ الْمَلِكَ مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ بِمَا أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ، جَمَعَ النِّسْوَةَ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ‏}‏‏؟‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا خَطْبُكُنَّ‏}‏، مَا كَانَ أَمْرُكُنَّ، وَمَا كَانَ شَأْنُكُنَّ ‏{‏إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ‏}‏ فَأَجَبْنَهُ فَقُلْنَ‏:‏ ‏{‏حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، تَقُولُ‏:‏ الْآنَ تَبَيَّنَ الْحَقُّ وَانْكَشَفَ فَظَهَرَ، ‏{‏أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ‏}‏ وَإِنَّ يُوسُفَ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي‏}‏‏.‏

وَبِمَثَلِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَبَيَّنَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِيقَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، تَبَيَّنَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، الْآنَ تَبَيَّنَ الْحَقُّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَبَيَّنَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَبَيَّنَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَاكِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ قَالَتْرَاعِيلُ امْرَأَةُ إِطْفِيرَ الْعَزِيزِ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، أَيِ‏:‏ الْآنَ بَرَزَ الْحَقُّ وَتَبَيَّنَ ‏{‏أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏، فِيمَا كَانَ قَالَ يُوسُفُ مِمَّا ادَّعَتْ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ الْمَلِكُ‏:‏ ائْتُونِي بِهِنَّ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ‏}‏، وَلَكِنِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَدَخَلَ مَعَهَا الْبَيْتَ وَحَلَّ سَرَاوِيلَهُ، ثُمَّ شَدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ،، فَلَا تَدْرِي مَا بَدَا لَهُ‏.‏

فَقَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، تَبَيَّنَ‏.‏

وَأَصْلُ حَصْحَصَ‏:‏ “ حَصَّ “، وَلَكِنْ قِيلَ‏:‏ “ حَصْحَصَ “، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏فَكُبْكِبُوا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الشُّعَرَاءِ‏:‏ 94‏]‏ فِي “ كُبُّوا “، وَقِيلَ‏:‏ “ كَفْكَفَ “ فِي “ كَفَّ “، و “ ذَرْذَرَ “ فِي “ ذَرَّ “‏.‏ وَأَصْلُ “ الْحَصِّ‏:‏ “ اسْتِئْصَالُ الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ حَصَّ شَعْرَهُ “، إِذَا اسْتَأْصَلَهُ جَزًّا‏.‏ وَإِنَّمَا أُرِيدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏، ذَهَبَ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ فَانْقَطَعَ، وَتَبَيَّنَ الْحَقُّ فَظَهَرَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، هَذَا الْفِعْلُ الَّذِي فَعَلْتُهُ، مِنْ رَدِّي رَسُولِ الْمَلِكِ إِلَيْهِ، وَتَرْكِي إِجَابَتَهُ وَالْخُرُوجَ إِلَيْهِ، وَمَسْأَلَتِي إِيَّاهُ أَنْ يَسْأَلَ النِّسْوَةَ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيهُنَّ عَنْ شَأْنِهِنَّ إِذْ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، إِنَّمَا فَعَلْتُهُ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فِي زَوْجَتِهِ “ بِالْغَيْبِ “، يَقُولُ‏:‏ لَمْ أَرْكَبْ مِنْهَا فَاحِشَةً فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَنِّي‏.‏ وَإِذَا لَمْ يَرْكَبْ ذَلِكَ بِمَغِيبِهِ، فَهُوَ فِي حَالِ مَشْهَدِهِ إِيَّاهُ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ رُكُوبِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ يَقُولُ يُوسُفُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ‏}‏، إِطْفِيرُ سَيِّدُهُ ‏{‏أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، أَنِّي لَمْ أَكُنْ لِأُخَالِفَهُ إِلَى أَهْلِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، يُوسُفُ يَقُولُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏ يُوسُفُ يَقُولُهُ‏:‏ لَمْ أَخُنْ سَيِّدِي‏.‏

إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، قَالَ يُوسُفُ يَقُولُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا قَوْلُ يُوسُفَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، قَالَ هُوَ يُوسُفُ، لَمْ يَخُنِ الْعَزِيزَ فِي امْرَأَتِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏ “، هُوَ يُوسُفُ يَقُولُ‏:‏ لَمْ أَخُنِ الْمَلِكَ بِالْغَيْبِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ سَيِّدِي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُسَدِّدُ صَنِيعَ مَنْ خَانَ الْأَمَانَاتِ، وَلَا يُرْشِدُ فِعَالَهُمْ فِي خِيَانَتِهِمُوهَا‏.‏

وَاتَّصَلَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏، بِقَوْلِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ‏:‏ ‏{‏أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لِمَنْ الصَّادِقِينَ‏}‏، لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ، كَاتِّصَالِ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏، بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّة‏}‏، ‏[‏سُورَةُ النَّمْلِ‏:‏ 34‏]‏ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏، خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ لِأَصْحَابِهِ فِي “ سُورَةِ الْأَعْرَافِ “، ‏{‏فَمَاذَا تَأْمُرُونَ‏}‏، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِ الْمَلَأِ ‏{‏يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَعْرَافِ‏:‏ 110‏]‏‏.‏